تركيا و الإنقلابات … علاقة حب لا تنتهي

من سمات الانقلابات العسكرية، أن القوى العسكرية التى تقوم بها، بما تشمله من مجموعات ووحدات وأفراد عسكريين، إنما يتحركون بآلاتهم وأجزتهم الحربية للسيطرة على الأوضاع المادية والإحاطة بها والتمكن منها، إنما يفعلون ذلك وهم لا يعرفون أية أهداف سياسية ستتحقق بسبب حركتهم، ولا يعرفون أنهم يقومون بانقلاب عسكري يستهدف الإطاحة بالنظام السياسي القائم فى الدولة، ولا أنهم يستبدلون به نظاما آخر وسيطرة سياسية أخرى، لا يدرى هؤلاء المتحركون عنها شيئا. ولا يعرفون ما هى المجموعة السياسية التى سيتاح لها بصنيعهم أن تتولى السيطرة على الدولة. يظهر هنا الفارق الواضح بين تغيير نظام الحكم بواسطة ثورة شعبية، وبين تغيير بواسطة الانقلاب العسكري، لأن حركة الجماهير فى الثورة الشعبية التى يسقط بها نظام الحكم هى حركة ظاهرة الأهداف، وكل من يشارك فى العمل الثوري الجماهيري إنما ينضم إليه ويشارك فيه عارفا بالأهداف المنشودة من هذا الحراك وهذا التجمع، أما بالنسبة للانقلاب فإن القيادة العليا للقوة المسلحة هى وحدها التى تعرف الهدف السياسي من وراء حركة الجنود، وكل الجنود المشاركين فى العمل حشدا وتوزيعها للمهمات يجهلون تماما ما يكمن خلف صنيعهم من نتائج منشودة. ولا يعرف الهدف السياسي لهذا الحراك العسكري إلا فرد أو جماعة ضيقة جدا محدودة العدد من القيادات، يسوقون أكبر قوة مادية فى الدولة والمجتمع إلى غير ما تعرفه هذه القوة .
ما يحدث الان في تركيا شبيه بما حدث في سنة 1908؛ الانقلاب العسكري الذى قامت به فرق من الجيش العثمانى على سلطة السلطان عبدالحميد الثاني فى اسطانبول. لقد سارت هذه الفرق العسكرية من سالونيك وغيرها فى البلقان، متجهة شرقا فى أراضى الدولة إلى العاصمة اسطانبول، وكان الجنود يهتفون بحياة السلطان عبدالحميد لما أشاعته القيادة العسكرية من أن هذا الحراك إنما يجرى لبلوغ العاصمة ولحماية السلطات عبدالحميد من مخاطر تحيط به، ولما بلغ الجنود قصر السلطنة وزعهم قادتهم حوله بما أحكم الحصار على القصر، ودخل القادة إلى السلطات وأملوا عليه ما رأوه من شروط وقرارات وأجبروه على قبولها. ثم عزلوه نهائيا فى سنة 1908. وهكذا فإن قرار الانقلاب وفكرته كانت حكرا على قيادة فرق الجيش المتحرك، دون أية معرفة بها ممن قاموا بالحركة ونفَّذوها، وحققوا أهداف القيادة بصنيعهم دون أن يعرفوا بها، بل على عكس ما استقر فى وعيهم الجماعى أنهم يصنعوه بحركتهم.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *